Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
amateur de salé
11 décembre 2005

سلا

___

أبو رقراق.. هبة "الرباط" و"سلا"

الرباط- المنجي الميغري (قدس برس)- إسلام أون لاين.نت/1-4-2005

تملأ المكان وتضفي عليه مسحة من جمال أخّاذ أصوات النوارس البيضاء بمناظرها البديعة، وهي تطير غير بعيد من الماء، أو تحط فيه، أو تتلاعب على أطرافه في اليابسة... هكذا الحال عند مصب وادي أبي رقراق، حيث يرتمي النهر القادم من مسافات بعيدة، في أحضان المحيط الأطلسي ويذوب في مياهه.

إنك تقف الآن في المكان الفاصل الواصل بين البر والبحر، والفاصل الواصل بين مدينة الرباط، عاصمة المملكة المغربية، ومدينة سلا المجاورة لها المعروفة بأسوارها، التي قامت أصلا لحمياتها من غزوات كانت تأتي بلا توقف، على امتداد القرون المتطاولة، عبر المحيط.

فبقدر ما يفصل نهر أبو رقراق الرباط عن سلا، بقدر ما يربط بينهما، عبر مياهه، أو عبر الجسور والقناطر، التي تعبرها يوميا الآلاف من العربات والسيارات والحافلات والقاطرات، تنقل المسافرين بين شمال المغرب وجنوبه. ويصل أبو رقراق كذلك بين اليابسة وشواطئ المحيط الأطلسي، فهو نهر بحري، ينتهي مصبه عند حدود المدينتين المتجاورتين والمتكاملتين منذ سنين بعيدة، حيث المحيط الأطلسي يتاخمهما، لكنه في منطلقه يمتد لأزيد من 250 كلم، حيث يتضايف مع مجموعة من وديان أخرى، مثل وادي "عكراش" ووادي "كرو"، وغيرهما.

زوارق نقل ونزهة

ولأجل ذلك فإن جريانه دائم لا يتوقف. ولو توقف لأي سبب كان لتوقفت الحياة اليومية لتلك الزوارق الصغيرة، التي تنقل كل حين العابرين من وإلى الرباط أو سلا. إنه شكل بسيط من أشكال طلب الرزق العديدة والبسيطة، التي تنتعش على هامش جريان المياه في نهر أبي رقراق. ومن هذه الأشكال قارب صغير يحتمل من 8 إلى 10 ركاب، كل راكب يدفع درهما واحدا، أي ما يقارب 0.1 دولارا، ليعبر ويصل إلى اليابسة في هذا الاتجاه أو ذاك، في رحلة لا تتجاوز في الأقصى سبع أو ثماني دقائق، يجدف خلالها صاحب الزورق بكل جهده، ويجتهد أن لا يصطدم ببعض الزوارق الأخرى العابرة أو الراسية.

ولأجل تأمين الطريق، وتنظيم حركة المرور النهري، عمد أصحاب الزوارق إلى فصل محطة الذهاب عن محطة الإياب، بحيث صارت المعابر والممرات تتسع أكثر فأكثر لعدد أوفر من الزوارق. ولما كانت حركة "المسافرين" أو العابرين قوية وكثيفة، وهي ليست دائما بدافع التنقل والحاجة، بل في الغالب بدافع الفضول والتنزه والاكتشاف، يشجعهم الثمن البخس من ناحية، والرحلة القصيرة، التي يتوفر فيها الأمان، لصغر المسافة المقطوعة، وكل ذلك يجعل أعداد الناس تتزايد.

سوق يومي ومطاعم هوائية

وبسبب هذه الوفرة العددية للناس، الذين يعبرون يوميا، ينتصب على ضفاف النهر سوق صغيرة على هامش "محطة" الزوارق، يبيع فيها الناس ويشترون مما ينتجه البحر، ويعيد استثماره أهل البر، وهو ما يكشف عن طبيعة الروح الشعبية والاجتماعية للمغاربة، فهذا يبيع السمك المقلي أو المشوي مع قطع الخبز، وهذا يوفر البيض، وذاك يهيئ المقليات من بطاطس وباذنجان وغيرها، والآخر يبيع ثمار جهد ليله من صيد السمك، بمختلف أنواعه وهكذا.

غير أنه بفعل إقبال أصناف "استثنائية" من العابرين لهذا المكان، أو الزائرين له، وهم من السياح، الذين يفترض أنهم "منتفخة" جيوبهم أموالا، كما ترسم صورتهم المخيلة الشعبية، فلذلك بدأت مظاهر "طبقية" على "سوق" أبي رقراق. فقد غزت المكان مطاعم راقية، تعرض "بضاعتها" على الهواء الطلق، على مرأى من النهر والبحر والنوارس، التي تحلق غير بعيد.

وغالبا ما يكون رواد هذه المطاعم الراقية من السياح أو الميسورين من المغاربة. وهي وإن كانت تقدم نفس المأكولات مما يهديه البحر لجيرانه، إلا أنها تمتاز بنوعية الخدمة، حيث صار المكان مزودا بمظلات واسعة، وأماكن استقبال نظيفة مظللة، وكراسي فاخرة وموسيقى.. وهكذا يظهر المغاربة باعتبارهم شعبا مقبلا على الحياة باحتفالية عجيبة سائر تفننهم في ترقيق نمط الحياة وتجويده بقدر ما يستطيعون.

أنواع المراكب

وإذا كانت المطاعم الراقية قد بدأت، في السنين الأخيرة، تزاحم النماذج البسيطة والتقليدية على المكان، فإن الزوارق التقليدية، هي الأخرى، بدأت تلقى مزاحمة شديدة من زوارق من نوع جديد، متوسطة وراقية. فأما الطبقة المتوسطة فقد استغنت عن المجداف واستعاضت عنه بمحرك يشتغل بالطاقة. وهذه المراكب تستعمل للصيد ليلا أو نهارا، بحسب عدة متغيرات يدركها الصيادون دون غيرهم، في ارتباط بحركة البحر نفسه، أو بطباع السمك، وأوقات بروزه أو كمونه، وهي مراكب تملكها فئة من الشباب المغامر، في الغالب، تنافس المراكب الكبيرة، التي تخترق أعماق المحيط الأطلسي.

أما الصنف الثالث من المراكب، من ضيوف أبي رقراق، فهي المراكب السياحية والرياضية، ويبدو أنها موسمية، تملأ صفحة الماء في النهر المتدفق بحنو ورفق نحو حضن المحيط، خاصة في فصل الصيف، حين تسمح درجة الحرارة بنزهة فوق مياه النهر، وإطلالة عبره على الامتداد اللانهائي للمحيط الأطلسي، وكذلك على خلفية مدينة الرباط، بقلعتها العالية، وبناياتها التقليدية العتيقة، ومنارتها المطلة بشموخ على المحيط، وعلى الوادي، كما على المدينتين كحارس أبدي لا ينام.

واهب الخير والفن والجمال

يقول المؤرخ الإغريقي"هيرودوت" عن مصر إنها "هبة النيل"، هذا النهر المعطاء، الذي انغرس في مخيلة المصريين والسودان وبلاد الأحباش، كما يتداخل مع تعابيرهم الثقافية وفلكلورهم وطقوسهم واحتفالاتهم. فالنيل هبة، لأنه رمز للخصوبة وللحياة، ولتأمين الري للفلاحين والعيش للساكنة. وعلى ذلك يصح أن يقال إن العراق هبة الرافدين، دجلة والفرات.. فالماء هو الحياة، ومن الماء خلق كل شيء حي.

أما نهر أبي رقراق، فإنه يهب مدينتي الرباط وسلا الكثير من الخير والفن والجمال، وهو يربط بينهما ويفصل، ليعطي كل واحدة منهما هويتها الخاصة والمميزة، وهو أكثر من ذلك يشاركهما احتفالاتهما الرسمية أو الشعبية، على مدى السنين وتعاقب الأيام، وتندمج مياهه في صراع العيش لفائدة الطبقة الشعبية المرتزقة والكادحة بفن.. ذلك هو نهر أبي رقراق.

Publicité
Commentaires
Derniers commentaires
Publicité
Archives
Albums Photos
Publicité